ما إن يحلّ هلال رمضان، حتى تبدأ نابلس في ارتداء حلتها الرمضانية، حيث تصحو المدينة على تساؤل يتكرر في كل بيت: عكوب بلبن أم ملوخية؟ إذ جرت العادة أن يكون اليوم الأول محاطًا بلونين مباركين، الأبيض والأخضر، رمزًا للخير الذي يرجونه لعامهم، وامتدادًا لإيمانهم بأن بركة الشهر تبدأ من المائدة.
تمتلئ الأسواق بألوان المخللات الزاهية، التي تنتظر هذا الشهر بفارغ الصبر، وكأنها تزهو فقط تحت ضوء الفوانيس. تسير في أزقة البلدة القديمة وخان نابلس المسقوف، فيطاردك عبق الحلوى القادمة من محلات صنعت المجد بالحلاوة والقرمشة. الزلابية تقطُر عسلاً، العوّامة تتلألأ بلونها الذهبي، والفطاير والكلاج (أو أولاز كما يسميه أهل نابلس) تُرصُّ في صواني النحاس، فيما تقف الكنافة كالملكة، لا ينافسها شيء في صدارتها. هناك، بين الأزقة الحجرية، تتسلل الضحكات، ممزوجةً بنداء صاحب البيت: “ما تاكلوا كتير، في آخره!”، في إشارة إلى أن الحلوى قادمة لا محالة، ولا مجال للتوقف عند الإفطار.
الموائد النابلسية عامرة، لا تخلو من التمر الهندي والخروب، تلك المشروبات التي تحفظ للعطش وقاره، بينما يأخذ الصائم رشفة تلو الأخرى، كمن يتذوق الهدوء بعد يوم طويل. نابلس، المدينة التي لا تشبه غيرها، تصنع لمطبخها لغة خاصة، حيث يتناقل الناس وصفاتها جيلاً بعد جيل، يحفظون تفاصيلها كما يحفظون الأزقة التي نشأوا فيها. ففيها الطعام ليس مجرد وجبة، بل ذاكرة، وحكاية تُروى مع كل لقمة.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |