تلفزيون نابلس
كوكا كولا
عن أي عيد أكتب؟ بقلم الكاتبة عزة جبر
3/30/2025 1:37:00 AM

 عن أي عيد أكتب؟ بقلم الكاتبة عزة جبر

 

ترددت كثيرًا قبل أن أكتب شيئًا عن ذكريات العيد.

العيد، مناسبة يُفترض أن تحمل الفرح، أن تملأ القلوب بالبهجة، أن يُسمع فيها صوت التكبيرات لا القنابل، أن تُوزَّع فيها الحلوى لا صور الشهداء… لكننا نعيش اليوم أصعب أوقاتنا.

شهداء، دمار، نزوح، أشلاء أطفال… فـعن أي عيد يمكن أن أكتب؟

لكنني أغلقت عينيّ، وتمعّنت في ذاكرتي قليلًا. وجدت أنني عشت أوقاتًا ربما لم تكن بهذه القسوة، لكنها بالتأكيد لا تليق بكلمة “عيد”.

منذ أن انتقلنا من نابلس إلى رام الله، صار العيد مشوارًا محفوفًا بالقلق. التنقل بين المدن لم يعد بسيطًا، صار مشهدًا من فيلم كابوسي، تبدأه بحاجز، وتنهيه بمزاج جندي.

جنديٌ قد يستيقظ متعكر المزاج، فيعكّر مزاج وطن كامل.

وقد يقرر بعد ساعات من الانتظار ألا يسمح لك بالمرور، فتبدأ رحلة البحث عن طريق أخرى، أكثر تعقيدًا وأكثر وجعًا.

أتذكّر مرة… وبعد عدة محاولات، وصلنا إلى مدخل المدينة، ليخبر الجندي والدي أن “المدينة تحت حظر تجوال”. لا دخول اليوم.

كنّا صغارًا، أنا وشقيقتي، نؤمن بأن أبي هو البطل الخارق، لا يُهزم. غضبنا منه، بكينا، لُمناه لأنه لم يستطع إدخالنا إلى نابلس. اعتقدنا أن المشكلة فيه، لا في الاحتلال. كيف لأبي أن يُهزم؟ كيف لا يدخل مدينة مغلقة؟ ربما بقينا أيامًا لا نحادثه، لأننا ظننا أنه تخلى عن قدرته الخارقة، ونحن لا نفهم شيئًا بعد.

الاحتلال دائمًا كان يتلذذ بتعكير أعيادنا.

رائحة الدم لم تكن تغيب عن العيد، فشهوتهم للقتل لا تعترف بالمناسبات، ولا بالفرح، ولا حتى بالأطفال.

لكننا – دائمًا – كنّا وما زلنا نصرّ على البقاء، على الفرح، على أن نُقيم العيد رغم أنف كل شيء.

في نابلس، كان العيد مختلفًا

نابلس التي تعرف كيف تزرع الفرح حتى في حاراتها الضيقة، كيف تزيّن الجبال بالتكبيرات، كيف تسرق لحظة بهجة من بين أنياب الاحتلال.

كانت الساحة الكبيرة في وسط المدينة تتحوّل إلى مهرجان. نصبوا فيها الألعاب: المراجيح، الدولاب، الخيل الخشبي، وكانت تُسمى ببساطة: “ساحة العيد”.

نتجمّع فيها، نحن الأطفال، بألبسة العيد الجديدة، نحمل أكياس الحلوى، ونركض بين شعر البنات والعنبر – ذلك التفاح المغطى بالسكر الأحمر اللامع.

وكانت العيديات النقدية التي نحصل عليها من الأهل، كنزًا صغيرًا نحمله في الجيوب، نحسبها بفرح، وننفقها على ألعاب الساحة، أو نشتري بها صفارات وبالونات وحلويات لا نشتريها إلا في العيد.

في صباح العيد، نرتدي أجمل ما لدينا، حتى لو كان بسيطًا.

نجتمع حول والدنا لنأخذ “العيدية”، ثم نبدأ جولاتنا بين بيوت الأهل، نوزّع السلامات والقبلات ونحصد حبّات الملبس وكلمات الدعاء.

كل عام وأنتم بخير، الله يعيده علينا وعليكم بالفرج.”

كأن هذه الجملة كانت الأمل الوحيد وسط الخوف… نردّدها ونخبئها بين الضلوع.

وكانت رائحة العيد في نابلس لا تشبه أي مدينة أخرى

مزيجٌ من كعك العيد بالتمر، والقهوة العربية، وصوت التكبيرات الذي يملأ الأزقة.

كانت المدينة تتجمّل رغم أنف الاحتلال، وكأنها تقول له: “لن تسرق فرحتنا… لن تقدر.”

نعم… العيد في نابلس كان عنادًا وفرحًا وذاكرة لا تُنسى.

رغم الدم، رغم الحواجز، رغم الخوف… كنّا نعيش.

كنّا نبتسم.

كنّا نصرّ على الحياة.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة