مع اقتراب موعد الإفطار، تتحول ربة المنزل إلى ما يشبه مدير عمليات في غرفة طوارئ، تراقب توقيت الطهي، وتوزع المهام بدقة عسكرية، وتحاول تجنب أي كارثة محتملة، مثل احتراق الأرز أو نسيان وضع الملح في الشوربة. في هذه اللحظة الحرجة، يظهر الرجل، متقمصًا شخصية الشيف العالمي الذي يعرف بالضبط كيف يجب أن تُطهى كل وجبة.
“ليش المقلوبة هيك لونها؟”
“الملوخية لازم تكون أسمك شوي!”
“شو رأيك نحط فلفل أحمر في السلطة؟”
وهكذا، في غضون دقائق، يصبح وجوده مصدر توتر لا يقل عن تأخر الأذان خمس دقائق إضافية. الحل المثالي الذي تلجأ إليه الزوجات هو منحه “مهمة عظيمة” خارج المنزل، حتى تضمن لنفسها مساحة من الهدوء. وهنا تأتي الجملة السحرية:
“روحلك لفة في السوق.”
ولفة السوق، كما يعرفها الجميع، ليست مجرد مشوار عابر، بل هي رحلة استكشافية عبر أزقة المدينة، يتخللها الكثير من التفاوض. أول محطة طبعًا هي المخللات، حيث يصطف أمامه جبل من الزيتون بألوانه، والمكدوس الغارق في زيت الزيتون، والفلفل المحشي الذي يشبه القنابل الموقوتة لشدة حرارته.
ثم يمر ببائع الفلافل، الرجل الذي يتعامل مع مهنته وكأنها فن راقٍ، يفتتن بحشو الفلافل بالبصل بحركة درامية وكأنه يؤدي رقصة فنية، وكلما اقترب موعد الإفطار، زاد عدد المنتظرين، وتحوّلت الطوابير إلى ما يشبه مجلس قبائل يتجادلون حول أفضل خلطة للفلافل.
ولا تكتمل الجولة دون المرور على محل الحمص، فالصحن النابلسي لا يُعتبر إفطارًا دونه، حيث ينشغل البائع بضرب الحمص في الطاحونة بحماس، ويزينه بزيت الزيتون والبقدونس حتى يبدو وكأنه تحفة فنية.
أما قسم العصائر، فهو مهرجان بصري قبل أن يكون طعميًا؛ براميل مليئة بالسوس واللوز والخروب والتمر الهندي، حيث البائعون ينادون بأعلى أصواتهم لجذب الصائمين المشتاقين لأول رشفة تُطفئ عطش يوم طويل.
وبالطبع، لا يمكن تفويت محطة المخبز، حيث يخرج الخبز الطازج من الفرن، ورائحته تجعلك تتمنى أن تتقدم عقارب الساعة عشر دقائق للأمام، بينما يقف الرجل في الطابور وهو يفكر:
“هل طلبت مني زوجتي خبزًا عاديًا أم مشروحًا؟ وهل تحتاج رغيفين أم ثلاثة؟ إذا سألتها الآن، ستصرخ عليّ، لذلك سأشتريهم كلهم وأقول لها إنني اجتهدت.”
وأخيرًا، تأتي محطة الحلويات الرمضانية، حيث الكنافة، والقطايف، وحلوى الزلابية المغطسة بالقطر. وهنا يواجه الرجل أكبر تحدٍّ: هل يلتزم بالقائمة التي أعطتها له زوجته، أم يستغل الفرصة ليشتري كل ما تشتهيه نفسه بحجة “مشينا مع التيار”؟
وهكذا، يعود الرجل للبيت محمّلًا بالأكياس، منتشيًا بإنجازه العظيم، فيسأل زوجته بكل فخر:
“شو رأيك؟””*
لتنظر إليه بنظرة مرهقة، ثم تسأله السؤال المصيري:
“وين اللبن اللي طلبته منك؟”
وهكذا، يكتشف أن أهم غرض قد نُسي، وأن عليه الآن القيام بجولة جديدة، لكنه لا يمانع، فقد أصبح محترفًا في “لفة السوق”، وعلى الأقل، لن يعود إلى المطبخ مجددًا!
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |