رمضان في نابلس ليس مجرد شهر للصيام والعبادات، بل هو نسيج متكامل من الطقوس والعادات التي تتوارثها الأجيال، ومن بينها طقسٌ نابلسيٌّ أصيل يسمّى “فُقدة رمضان”، ذلك التقليد الذي يضفي على الشهر نكهةً دافئة، ويحيك خيوط المحبة بين العائلات.
فُقدة رمضان ليست مجرد هدية يحملها الأب أو الأخ إلى الابنة المتزوجة، أو الجد إلى أحفاده، بل هي رسالة حب مغلّفة بالاشتياق، تصل مع أولى ليالي الشهر الكريم، تحمِل في طيّاتها كل معاني الاهتمام والوصال. قديماً، كانت تأتي في أكياس ورقية بنية، تخفي بداخلها الفاكهة الطازجة، المكسرات، والكعك النابلسيّ الشهير، وأحيانًا صينية عامرة بالحلويات الشرقية، تتوسطها البقلاوة النابلسية وكأنها عرشٌ للحلاوة والمحبة.
لحظة دخول الأب أو الأخ إلى البيت وهو يحمل “فُقدته”، كانت لحظة استثنائية، تغمر القلب بالفرح قبل أن تغمر الأيدي بالهدايا. لحظة يختلط فيها العناق بنظرات الامتنان، والدمع الخفيف بضحكةٍ خجولة. كان دخولهم بتلك الأكياس كأنه إعلانٌ صامتٌ بأن الحبّ لا يزال مقيمًا، وأن صلة الدم لا تهرم، بل تتجدد في كل رمضان.
اليوم، تغيّرت المظاهر قليلًا، استُبدلت الأكياس الورقية بأخرى بلاستيكية ملوّنة، وربما حَلَّت مستلزمات حديثة مكان الفاكهة والمكسرات، لكن الروح لا تزال هي ذاتها، والفكرة لا تزال تحمل نفس الدفء. لا شيء يُضاهي فرحة استقبال تلك الفُقدة، لا شيء يوازي الشعور بأن هناك من تذكّرك وسط انشغالاته، وأبى إلا أن يُهديك شيئًا وإن كان بسيطًا، ليقول لك بطريقة غير مباشرة: أنتِ في القلب.
في زحام الحياة، قد ننسى كثيرًا من العادات، لكن هناك طقوسًا تظل عصيّة على النسيان، متجذرةً في الروح كأنها صلاة من نوعٍ آخر، تؤدى بيدٍ محبة، وقلبٍ نابضٍ بالحنين. فُقدة رمضان واحدة من تلك الطقوس، تُعيد إلينا رائحة الزمن الجميل، وتذكّرنا بأن رمضان ليس فقط شهر الصيام، بل هو شهر التراحم، شهر اللقاءات التي تعيد الدفء للأيام، وترمم ما كسره الوقت.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |