تلفزيون نابلس
فانوس رمضان والمدفع... بقلم الكاتبة عزة جبر
3/11/2025 3:34:00 AM

قبل أن تغرق الأسواق بالبضائع الصينية، وقبل أن تملأ الفوانيس الملونة متعددة الأشكال الشوارع والمتاجر، كان الأطفال يصنعون فوانيسهم بأيديهم، بحب وشغف يضفيان عليها بريقًا خاصًا لا يشبهه أي ضوء آخر.

أمي، التي عاشت طفولتها في أزقة البلدة القديمة في نابلس، كانت تحكي لنا طويلًا عن طقوس رمضان التي اندثرت تدريجيًا، لكنها ما زالت حية في ذاكرتها. من بين تلك الطقوس، كان الأطفال يصنعون فوانيسهم من البطيخ، حيث يتم تفريغه من الداخل تمامًا، ثم تُفتح بعض الشقوق الهندسية البسيطة على سطحه، وتُوضع شمعة بداخله. يتحول البطيخ إلى فانوس رمضاني بسيط لكنه ساحر، ينبعث منه ضوء خافت دافئ. لا أعتقد أن هناك فانوسًا يماثله اليوم. كان الأطفال يجوبون به أزقة السوق نازل، يغنون أغاني نابلس الرمضانية المميزة، التي لم تعد تُسمع إلا في ذاكرة من عاشوا تلك الأيام.

أما مدفع رمضان، فكان حكاية أخرى، مدفعًا ينتظره الجميع بشغف، المدفع السلمي الوحيد في هذا العالم. عند سماع صوته، تعج البيوت بالحركة، ويهرع الصائمون إلى موائد الإفطار، بينما تتسابق الأمهات في توزيع التمر وأكواب الماء على أفراد العائلة.

جدي كان طفلًا شقيًا، لا يشبه أولئك الذين ينتظرون المدفع فحسب، بل أراد أن يصنع مدفعه الخاص. في إحدى المرات، قرر أن يجمع بعض الألعاب النارية ويحاول تفجيرها ليصنع صوتًا مشابهًا لمدفع رمضان. لم تسر الأمور كما أراد، فقد إحدى أصابعه في تلك التجربة الطائشة، لكنه لم يفقد حبه للمدينة وطقوسها وكنافتها. ظل يحتفظ بحكاياته عن رمضان القديم، ويرويها كأنها كنز يجب الحفاظ عليه.

رمضان في نابلس كان مختلفًا، بسيطًا لكنه عميق في تفاصيله، لم تكن الزينة البلاستيكية ولا الأضواء الصناعية تصنع أجواءه، بل كانت الحكايات، والأغاني، والمدفع الذي لم يكن مجرد إعلان للإفطار، بل رمزًا لذاكرة مدينة بأكملها.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة