تلفزيون نابلس
السوق نازل: طقس نابلسي يعبق بروح رمضان.. بقلم الكاتبة: عزة جبر
3/7/2025 11:33:00 PM

حين يحل رمضان، تتجلى نابلس في أبهى حلتها، كعروسٍ تحتفل بالضوء والذكر والفرح، مدينةٌ لا تشبه غيرها، تتزين بالفوانيس المعلقة على حبال الزمن، وتنثر في أزقتها رائحة القطايف والكنافة وأصوات المسحراتي، لكن هناك طقسًا نابلسيًا أصيلًا، لا يعرفه إلا أبناء المدينة، طقسٌ يعبق بعبير الطفولة البريئة، ويدق على أوتار الذاكرة بحنينٍ لا يُمحى… إنه “السوق نازل”.

مع أول المساء، وبعد أن يسكن الصخب الذي يسبق أذان المغرب، ويهدأ وقع الأقدام على حجارة الأزقة العتيقة، يتهيأ الأطفال في باب الساحة، حيث تنتصب ساعة نابلس شامخة كأنها تحرس المدينة منذ الأزل، يتجمعون بفرحٍ يسبق خطاهم، ينطلقون نحو قلب البلدة القديمة، حاملين معهم بهجة رمضان وأناشيده، يهتفون:

ونزلت ع السوق نازل، لاقيت تفاحة، حمرا حمرا لفاحة، حلفت ما باكلها لا يجي خيِّي وبيِّي، واجا خيِّي وبيِّي وأطلعني ع العلية، والقيت شاب نايم غزيته غزيته واشربت من زيته وزيته تمر حنا معلق باب الجنة، يا جنة ما أحلاكِ، رب السما حلاكِ"

وتتردد الألحان كأمواجٍ تتراقص بين الجدران، تنساب بين الدكاكين الصغيرة، حيث يفتح التجار قلوبهم قبل أبوابهم، يوزعون الحلويات بكرمٍ لا ينتظر شكراً، فهذه طقوس المدينة، تقاليد لا تتغير، كأنها نقشٌ ثابتٌ على وجه الزمن.

تمتلئ أيدي الأطفال بالملبس والمجففات والمكسرات، ويمتلئ الليل بضحكاتهم، يركضون كفراشاتٍ ملونة بين الحوانيت، يسرقون نظرات إعجابٍ من المارة، ويبعثون الحياة في الأزقة التي تحمل في جدرانها حكايا الأجداد.

يتجهون بعد ذلك إلى أحد المقاهي القديمة، حيث يجلس الحكواتي، شيخٌ عجوز بصوته الجهوري، يروي مغامرات أبو زيد الهلالي، فتصمت الجلسة احترامًا للحكاية، وينصت الصغار قبل الكبار، تتسع الأعين بدهشة، وكأن الكلمات تُنسج أمامهم مشاهد حية، تنبض بالحياة فوق بساطٍ من الخيال.

نابلس، هذه المدينة العريقة، تعرف كيف تحافظ على سحرها، كيف تزرع الفرح في أدق تفاصيلها، تجعل لكل مناسبة طابعها الخاص، وتمنح زائريها شعورًا لا يُمحى… رمضان فيها ليس مجرد شهر، بل حكايةٌ تُحكى، وسحرٌ يظل حيًا في القلب، كذكرى لا تبلى.

 

( ملاحظة: يمكنكم سماع الاغنية والتي اعاد تسجيلها الفنان جميل السايح بالضغط هنا)


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة