الرجُل الخفِي ورجُل الظل، الذي لطالما أرَّق الاحتلال الإسرائيلي، واعتُبِرَ أسطورةً ورمزاً في الشارع الفلسطيني والعربي، مهندس معركة "طوفان الأقصى"، القائد العام لهيئة أركان "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" محمد الضيف، يرتقي شهيداً بعد 30 عاماً من الحِنكة والقيادة والمقاومة.
ومساء الخميس 30 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلن الناطق باسم "كتائب القسام" أبو عبيدة، عن استشهاد القائد العام محمد الضيف (60 عاماً) ونائبه مروان عيسى "أبو البراء"، وثُلة من قادة المقاومة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ويُعد الشهيد محمد الضيف أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية على طول الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ ارتبط اسمه بحروب عِدة، كان أبرزها "طوفان الأقصى"، حيث كان العقل المدبِّر والقائد لها.
ويُعتبر أحد أكثر القادة الفلسطينيين سريةً وغموضًا، حيث لم يظهر علنًا منذ سنوات طويلة، وتُستخدم صوره القديمة فقط في وسائل الإعلام.
وتصدر القائد "الضيف" قائمة المطلوبين لـ"إسرائيل" منذ عقود، كما شغل محمد الضيف وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، بعد ظهوره في مقطع مُسجل لبرنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، وهو يستعدُ ويخطط لبدء "الطوفان" في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.
وتصفه إسرائيل بأنه رجل "أفعال لا أقوال" وتقول إنه ذكي جداً لدرجة أنه "يمكنه تحويل البلاستيك إلى معدن".
وقاد "أبو خالد" عمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان له دوراً أساسياً في تطوير الصناعات العسكرية المحلية لكتائب القسام، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والأنفاق.
وتعرض محمد الضيف لأكثر من سبع محاولات اغتيال من جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنه نجا منها جميعًا، ما زاد من غموض شخصيته وأسطورته.
وأدت إحدى المحاولات إلى إصابته بجروح بالغة، وتداولت تقارير غير مؤكدة عن فقدانه لأحد أطرافه أو إصابته بإعاقات دائمة، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة قيادة القسام بقبضة حديدية.
وكانت أصعب محاولات اغتياله عام 2002، حيث نجا منها بأعجوبة، لكنه فقد إحدى عينيه، وتقول إسرائيل إنه خسر إحدى قدميه أيضاً وإحدى يديه، وأن لديه صعوبة في الكلام، بسبب تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال.
وفي يوليو/ تموز الماضي، زعمت "إسرائيل" اغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف ونائبه رافع سلامة، في غارة إسرائيلية استهدفتهما في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس جنوب القطاع، بينما لم تُصرِّح حركة حماس بأي شيء حينها.
من هو محمد الضيف؟
محمد الضيف، وهو محمد دياب إبراهيم المصري "أبو خالد"، وُلِد في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة لعائلة فلسطينية لاجئة من قرية القبيبة قضاء المجدل في الداخل المحتل.
ونشأ "الضيف" في بيئة متواضعة، وعاش معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ما شكل وعيه السياسي في سن مبكرة.
وحصل على درجة البكالوريوس في علم الأحياء من الجامعة الإسلامية بغزة، وعُرف عنه حبه للتمثيل والمسرح، وشكّل فرقة فنية لهذا الغرض، لكنه انخرط سريعًا في صفوف حركة حماس خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993).
وتدرج "الضيف" في العمل المقاوم ضمن "كتائب القسام"، حيث كان من أوائل من انضموا للجناح العسكري، واشتهر بمهاراته في الإعداد والتخطيط العسكري، ثم أصبح قائدًا لكتائب القسام بعد اغتيال سلفه صلاح شحادة في عام 2002
.
وكأي قائد فلسطيني، لم يسلم محمد الضيف من سجون الاحتلال الإسرائيلي وقيده، فقد اعتقلته قوات الاحتلال في العام 1989 وقضي في السجون 16 شهراً موقوفاً دون محاكمة بتهمة، العمل في الجهاز العسكري لـ"حماس".
وأثناء سجنه، كان "الضيف" قد اتفق مع زكريا الشوربجي وصلاح شحادة على تأسيس حركة منفصلة عن حماس بهدف "أسر جنود الاحتلال"، فكانت "كتائب القسام".
أبرز الإنجازات العسكرية
كان "الضيف" مهندس بناء الأنفاق التي سمحت لمقاتلي حماس بإجراء اختراقات في الداخل الإسرائيلي انطلاقاً من غزة، وكان أيضا ممن عززوا استراتيجية إطلاق عدد أكبر من الصواريخ على العمق الإسرائيلي.
وأشرف "العقل المدبر" على حفر الأنفاق القتالية التي استُخدِمت في عمليات نوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما نفذ عمليات كبيرة ضد الاحتلال، أبرزها عمليات التفجيرات الفدائية في التسعينيات.
وقادَ "الضيف" المقاومة ي حروب غزة المتعاقبة 2008و 2012 ثم 2014و 2021 وانتهاءً بمعركة "طوفان الأقصى" عام 2023، حيث كان العقل الأول المدبر لها بحنكة وذكاء.
وخلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 واستمرت أكثر من 50 يوماً، أخفق الجيش الإسرائيلي في اغتيال الضيف أيضاً، إلا أنه قتل زوجته واثنين من أطفاله.
وتتهمه "إسرائيل" بإشرافه وتخطيطه لسلسلة عمليات انتقام عقب اغتيال المهندس يحيى عياش، والتي أدت إلى مقتل نحو 50 إسرائيليا بداية عام 1996، وتخطيطه كذلك لأسر وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين أواسط التسعينيات.
إرث المقاومة
ويتمتع "الضيف" بشعبية واسعة في الأوساط الفلسطينية والعربية، إذ يُنظر إليه كرمز للمقاومة والثبات، خاصة بعد الإخفاقات المتكررة للاحتلال في اغتياله أو كسر شوكة "كتائب القسام" تحت قيادته.
واختيرت كنية "ضيف" لوصفه؛ لأنه لا يبقى في مكان واحد لأكثر من ليلة واحدة ويبيت كل مرة في بيت جديد للإفلات من الملاحقة الإسرائيلية.
ويبقى محمد الضيف شخصية استثنائية في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث جسّد معاني التضحية والصمود، واستطاع أن يقود واحدة من أقوى حركات المقاومة ضد الاحتلال.
رحل الضيف جسدًا، لكنه ترك إرثًا كبيرًا في العمل المقاوم، حيث ساهم في بناء منظومة عسكرية متطورة أصبحت اليوم كابوسًا حقيقيًا للاحتلال الإسرائيلي.
ويبقى اسم محمد الضيف محفورًا في ذاكرة الفلسطينيين كـ "القائد الذي لا يُهزم"، حيث يتغنى به الفلسطينيون الصغار والكبار، ويرددون العبارات التي تهتف باسمه مثل "حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد الضيف".
"سند"
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |