يمسك الطفل مصطفى، نجل الأسير منتصر الشنار من نابلس، بصورة والده ويقبلها مرددا "بحبك يا بابا"، وهو لا يعرف عنه سوى صورته واسمه، ولا يعلم كيف تبدو صورة وهيئته الحالية بعد مرور 28 شهرًا على اعتقاله إداريًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وبالمثل، لا يعرف الأسير منتصر عن ابنه سوى آخر صورة طبعها في ذهنه في آخر زيارة له وكان حينها بعمر سنة واحدة، ولا يعلم كيف كبر صغيره وبات يذكر اسمه ويقبّل صوره ويدعو له.
اعتقل منتصر في 24 أغسطس/ آب 2022، ودخل على إثره بدوامة الاعتقال الإداري المتجدد، وصولا إلى رفض المحكمة العليا الإسرائيلية -الشهر الماضي-آخر التماس قدمته عائلته لمنع تمديد اعتقاله بأربعة شهور أخرى، ليكون بذلك واحدا من بين أقدم المعتقلين الإداريين.
ورغم ألمها وخيبة أملها بعد التمديد الأخير، تبدو آية الناشف، زوجة الأسير منتصر، صابرة وتقول: "عزاؤنا أنّنا كلّنا لله وأنه سيعوضنا خيراً عن كل ما مرّ ويمرّ، وإنّا لنخجل أن نتحدث عن آلامنا أمام ما يمر به أهلنا في غزة".
وتضيف في حديثٍ لها": "كنا نأمل أن ينتهي مسلسل التمديد، خاصة وأن منتصر أمضى 28 شهرا، لكن في ظل الحرب لا يوجد شيء مضمون أو قواعد تحكم الاعتقال الإداري".
ويزيد غياب منتصر عن عائلته الأعباء على زوجته التي أصبحت تحمل مزيدا من المسؤولية تجاه طفلهم مصطفى لتعويضه عن دور أبيه إلى جانب دورها كأم.
وتشير إلى أنّ أصعب ما في الأمر هو محاولة ربط مصطفى بأبيه، فهو هو يعرف صورته واسمه، لكن الطفل إذا لم يعش في كنف والده فلن يألفه بسهولة.
وهذا الاعتقال هو الخامس لمنتصر في سجون الاحتلال وقد أمضى ما مجموعه 5 سنوات ونصف جلّها في الاعتقال الإداري، لكنه تزامن مع أصعب ظروف يمر بها الأسرى داخل سجون الاحتلال؛ حيث تتبع إدارة السجون سياسة انتقامية منهجية ضد الأسرى الفلسطينيين منذ الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين أول 2023.
الاعتقال الأصعب
وتعتبر زوجة منتصر أن اعتقاله الحالي هو الأصعب بين اعتقالاته، فقد جاء بعد ولادة ابنهم البكر بثلاثة شهور فقط، وأمضى فيه الفترة الأطول، وفاقم الوضع انقطاع الاتصالات والزيارات منذ أكثر من عام.
وقد أُصيب منتصر بمرض الجرب أو "سكابيوس" الجلدي الذي بات ينتشر بشكل متسارع بين الأسرى الفلسطينيين في السجون؛ نتيجة ظروف الاعتقال السيئة.
وتشير زوجته إلى أن منتصر كان من أصعب الحالات المصابة بـ "السكابيوس"، خاصة وأن جسده حساس تجاه الأمراض الجلدية، وقد تفاقم وضعه وتطور إلى بروز دمامل في جسده منعته من الحركة والمشي لدرجة أنه بقي شهرا كاملا يؤدي الصلوات وهو ممدد على السرير.
ويُعد الجرب مرضا شديد العدوى تسببه حشرة العثة، حيث تقوم الأنثى بحفر خنادق داخل الطبقة العليا من الجلد وتضع بيضها فيه، بمعدل 3 بيضات يوميا وعلى مدار شهر، وبعد أسبوعين يفقس البيض وتخرج الحشرات الجديدة، فتتزاوج وتغزو الجلد من جديد.
كما تعرض منتصر لتعذيب شديد في بداية الحرب على قطاع غزة، وفق ما أكد عدد من الأسرى المحررين لعائلته وهو ما زاد قلقهم عليه.
إهمال طبي وقطع التواصل
ويواصل الاحتلال منذ بداية الحرب على غزة، منع زيارات السجون وكل أشكال التواصل، ضمن سلسلة إجراءات عقابية اتخذها الاحتلال ضد الأسرى، ما يزيد من قلق ذويهم عليهم.
ويقول مصطفى الشنار، والد منتصر، إن ابنه كان في بداية الحرب يقبع في سجن "النقب" الصحراوي، وتعرض كبقية الأسرى لاعتداءات السجانين، لكن لم يكن هناك أي معلومات عنه.
ويشير في حديث له إلى أنّه نقله إلى سجن "ريمون" بعد عدة شهور من إصابته بـ "السكابيوس" دون علاج، ووضع في قسم العزل الخاص بالمصابين بهذا المرض.
ويضيف: "كلفنا محاميا خاصا لزيارة منتصر والاطلاع على وضعه، والذي أكد لنا صعوبة حالته، إذ لم يكن يستطيع دخول الحمام بمفرده"، ونتيجة لعدم توفر المعلومات، فقد شكّل ذلك ضغطا نفسيا على عائلته.
ويلفت والده أن ما كان يزيد من قلقهم هو شهادات المحررين الذين قالوا إنهم لم يروا أصعب من حالته بين من التقوهم داخل السجون.
وبعد مماطلة لثمانية شهور من إصابته بالمرض، قدمت إدارة السجون قدمت لمنتصر ولبقية الأسرى العلاج، وقد بدأ يتعافى مؤخرا.
ويبين والده أن لديهم تجارب مريرة في محاكم الاحتلال مع تكرار عمليات التمديد، فمع كل نهاية تمديد يقدمون التماسا لمحاكم الاحتلال لوقف التمديد، لكن الالتماس يُرفض.
وإلى جانب اعتقال منتصر، اعتقل الاحتلال شقيقه الصحفي عاصم الشنار في أغسطس/ آب الماضي، وأصدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة 4 شهور، وقبل انتهائها صدر قرار بتمديد اعتقاله ستة شهور جديدة.
تصاعد في الأعداد
ومنذ بدء حرب الإبادة، شن الاحتلال حملات اعتقال واسعة لا زالت مستمرة، وطالت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس، وجرى تحويل غالبيتهم إلى الاعتقال الإداري، حيث تشكل نسبة الإداريين في السجون 33% من إجمالي الأسرى.
ووفقا لتقرير صدر عن نادي الأسير الفلسطيني في نهاية العام 2024، تصاعدت أعداد المعتقلين الإداريين ليكون الأعلى تاريخيا، ووصل في بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى 3428، فيما بلغ قبل الحرب نحو 1320 معتقل.
ويتيح الاعتقال الإداري اعتقال الفلسطينيين دون تقديم تهم أو محاكمة، استنادا على ما تسميه مخابرات الاحتلال "الملف السري"، والذي لا يسمح للمعتقل أو محاميه بالاطلاع عليه.
وحسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية، فإنه يمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، ويتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور غالبًا ما يتم تجديدها.
"وكالة سند للانباء"
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |