داود كتّاب - احدى أكبر العقبات التي تحول دون إيجاد حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي الدعم الدولي المباشر الساحق لأحد طرفي الصراع (إسرائيل) بينما لا يرى الطرف الآخر (الفلسطيني). وفي حين أن هذا الخلل في التوازن ربما كانت له أسباب متنوعة، لكنه مع ذلك أنتج فوضى عارمة على الأرض، حيث استطاعت إسرائيل، متسلحةً بهذا الدعم الأعمى (خاصةً من الولايات المتحدة)، أن ترفض الحلول المنطقية مع تقديم الحد الأدنى من المبرّرات دائماً لاسترضاء الرعاة الدوليين. وبمرور الوقت، أدّى ذلك إلى مقاومة مسلحة أنتجت موقفاً إسرائيلياً أكثر تطرّفاً وأخيراً انفجاراً.
وقد دُعيت إدارة ترامب مثل الإدارات الأميركية السابقة إلى مساعدة إسرائيل للخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. وعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من واشنطن، أخيراً، متسلحاً بما اعتبره الحل السحري من ترامب لغزّة وهو الحل الذي يستثني حركة حماس والسلطة الفلسطينية على حد سواء. ولكن، كما يقول المثل "كن حذراً مما تتمنّاه"، فبمجرد انخراط واشنطن وانغماسها الكامل، فإن النتيجة التي ستتضمن السلام والهدوء قد لا تكون بالضرورة ما يتوقعه الإسرائيليون، وبالتأكيد اليمين الإسرائيلي.
في محاولة إيجاد حل للصراع المستعصي، ما كان مفقوداً هو الحاجة إلى وجود حاجز بين محتل عسكري قوي وشعب تحت الاحتلال يفتقر إلى مقومات المقاومة العسكرية، ولكنه صامدٌ على أرضه، فبينما يتعين على المحتلين الإسرائيليين أن يحكموا المحتلين، ويضمن سلامتهم وتلبية حقوقهم الأساسية، تتصرّف القوة العسكرية المحتلة بأوامر من سياسييها اليمينيين بطريقةٍ منحازة، تدعم المستوطنين المتطرّفين الذين يجعلون حياة الشعب تحت الاحتلال غير قابلة للعيش. لذلك، يتطلّب الحل أن يتدخل طرف ثالث محايد نسبيّاً، كي يفرض نوعاً من العازل بين المحتل والشعب تحت الاحتلال، إلى أن يحين الوقت الذي يمكن فيه إيجاد حل سلمي دائم، فإذا أرادت واشنطن أن تتدخّل وتوفر هذا العازل، فقد نكون على أعتاب التوصل إلى السلام المنشود منذ فترة طويلة.
يُضاف إلى أهمية انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال وجودها في الغرفة في جميع المفاوضات، لضمان ألا تعكس اختلالاً في موازين القوى، أنَّ للولايات المتحدة دوراً آخر أكثر أهمية، فهي تستطيع تقديم ما لم يتمكّن أي طرف آخر في العالم من تقديمه، وهو الضمانات الأمنية التي تحتاج إليها إسرائيل والشعب الإسرائيلي بشدة. ويمكن للضمانات الأمنية من واشنطن أن تقطع شوطاً طويلاً في إزالة العقبة التي ما تطرحها إسرائيل باستمرار أمام التخلّي عن الأرض لإقامة دولة فلسطينية.
قد يجادل بعضهم في أن الحجة الأمنية لم تكن جادّة، بل كانت مجرّد تمويه لشهوة الأرض الفلسطينية، تحت مبرّر توراتي. ولكن بغض النظر عن الدافع، قد يكون تزويد الإسرائيليين بضمان أمني محكم ممكن من خلال نشر قوات أميركية أو قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الحل السحري الذي كان مفقوداً في كل الجهود السابقة للتوصل إلى السلام.
بالتأكيد، ظاهريّاً، يبدو أن نتنياهو قد أحرز تقدّماً نحو ما قال رابين ذات مرّة إنه يحلم به. الاستيقاظ ذات يوم ورؤية غزّة تختفي، ولكن غزّة ليست صفقة عقارية، وأهلها ليسوا سلعة في يد ترامب أو نتنياهو. ولكن بمجرّد أن يشمّر الرئيس الأميركي ومساعدوه عن سواعدهم، ويبدؤوا العملية الدقيقة لمحاولة تحقيق السلام يصطدمون بما واجهه الآخرون، أي الحاجة إلى تطبيق سياسات وحلول قاسية على جميع الأطراف، وليس على طرف واحد فقط.
لقد فشل الرؤساء الأميركيون المتعاقبون في مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين في التوصل إلى السلام، لأنهم فشلوا في العمل وسطاء نزيهين ورفضوا فكرة العمل عازلاً مؤقتاً وضامناً بين المحتل والشعب تحت الاحتلال. وقد فشلت أفكار السلام، لأن ميزان القوى كان دائماً في الجانب الإسرائيلي، ورغم ادّعاءاته بالرغبة في السلام، لم تكن إسرائيل أبداً مستعدة حقًا لدفع ثمن السلام (الأرض) متذرعة بالأمن، فإذا استطاعت أميركا أن تضمن الأمن للإسرائيليين والكرامة للفلسطينيين فإن السلام ممكن.
لقد رأى الفلسطينيون وكثيرون في العالم (كما عبرت عنه قرارات مجلس الأمن) في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي أفضل دليل على أن إسرائيل لم تكن مستعدّة للتخلي عن الأرض مقابل السلام. لكن إسرائيل كانت تبرّر المستوطنات، وكذلك مناطق غور الأردن في الضفة الغربية، بأنها احتياجات أمنية، ومن ثم، لا يمكن لها التخلي عن الأراضي المحتلة. وعندما تعثرت مفاوضات كامب ديفيد 2 بسبب إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بوجود عسكري في غور الأردن، وافق الرئيس الراحل ياسر عرفات على وجود قوات دولية، بما فيها قوات حلف شمال الأطلسي، في غور الأردن لطمأنة إسرائيل. ولكن إسرائيل والولايات المتحدة لم يكونا على استعداد للسير في هذا الطريق.
وهناك مثالٌ أحدث عهداً يمكن أن يساعد في توضيح هذه المسألة. عندما فشلت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس مراراً وتكراراً في التوصل إلى نتيجة، كان تدخل مستشار الرئيس ترامب هو الذي أدّى إلى إبرام الاتفاق. ولا أشكّ في أن استمرار الانخراط الأميركي سيؤدّي أيضاً إلى استمرار الاتفاق على المرحلتين، الثانية والثالثة الحاسمة التي ستنتج إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وإنهاء الحرب المكلفة إنسانياً في غزّة التي استمرت 15 شهراً.
والسبب واضح. عندما يكون هناك طرف محايد نسبيّاً، وهو الولايات المتحدة في الغرفة، تجري محادثة أكثر منطقية.
لا يمكن مكافأة إسرائيل على تدمير غزّة، لذلك القيادة الأميركية مطلوبة للتدخل، ليس فقط من أجل إعادة إعمار غزّة لسكانها، ولكن من أجل إنهاء الاحتلال في جميع المناطق التي احتلت عام 1967، فمبدأ” عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب “ كما ورد في ديباجة قرار مجلس الأمن 242 ينطبق على جميع المناطق التي احتلتها إسرائيل.
إذا كانت إدارة ترامب على استعداد للانخراط بصدق واستخدام التفويض القوي الذي منحه لها الشعب الأميركي لصنع السلام، فقد نكون على وشك تحقيق اختراق كبير من شأنه أن يغير منطقتنا. يجب عدم السماح باستمرار الاحتلال، والمشروع الاستيطاني اليهودي الاستعماري، وإنكار حقوق الفلسطينيين. تستحق شعوب المنطقة العيش في سلام، ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد في تقديم ضمانات صارمة للإسرائيليين بالسلام، حتى لو تطلب الأمر إرسال قوات أميركية. ولكن في الوقت للفلسطينيين الحق غير القابل للتصرّف في تقرير المصير والحق في إقامة دولتهم الخاصة بهم التي ستكون على استعداد للعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
هناك حاجة ماسّة إلى القوة والتدخل الأميركيين، ويمكنهم تحقيق انفراجة إذا ما جرى استخدامهما بشكل صحيح وعادل ومنصف. يمكن لدولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية أن تعيش في سلام مع إسرائيل آمنة ومطمئنة إذا تمّ ضمان أمن الإسرائيليين وحقوق الفلسطينيين. سمّم الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية الشرق الأوسط والعالم. وتستطيع إدارة ترامب إنهاء هذا الاحتلال، ويمكنها تحقيق السلام من خلال الأمن إذا أرادت ذلك، ويصفق لها العالم إذا فعلت ذلك.
- عن العربي الجديد
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |