تحقيق: م. عبد الغني سلامه
قبل أشهر ثارت قضية المواد المسرطنة في الخبز، وهي ما عُرفت بقضية الشيفارو، وعلى إثر ذلك تحرك الإعلام والمسؤولون والفعاليات الشعبية، وتشكلت لجان تحقيق، وثارت بلبلة وهلع في أوساط المجتمع .. فهل قضية الشيفارو هي وحدها ما يهدد صحة المواطنين ؟؟ هل هنالك مخاطر أخرى موجودة في الغذاء ولا نعلمها ؟
يقول الخبراء أن المخاطر التي من الممكن أن نتعرض لها موجودة في كل ما نستهلكه، وليست فقط في الغذاء، فهي تأتينا من كل صوب وحدب، وتتسلل إلينا من الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، وفي ملابسنا، وأدواتنا، وفي كل ما نتداوله عبر يومنا الطويل.
على سبيل المثال: الأغذية التي تحتوي على مخاطر صحية تملأ الأسواق .. ويُصرُّ مستورديها ومصنّعيها على تسويقها لنا، لتضمن لهم الثراء السريع .. وهم ماضون في ذلك طالما لا توجد عليهم رقابة صارمة !
والسؤال الذي نطرحه: هل هنالك أية جهة رقابية تضمن لنا سلامة ما نتناوله وما نستهلكه ؟؟
ويقول المختصون أن معظم الأغذية المصنعة مليئة بالمضافات الكيماوية، من أصباغ ومواد حافظة ومواد نكهة وهرمونات وغير ذلك .. هل خضعت هذه الأغذية لأي فحص مخبري يؤكد سلامتها ؟؟
بعض المواد الغذائية والمشروبات يزعم مروجيها احتواءها على نسب معينة من الفيتامينات والأملاح المعدنية والأحماض الأمينية .. هل خضعت لأي فحص يؤكد صحة ما تدعيه ؟!
وتحذر دراسات علمية من أن كثير من المنتجات الغذائية تحتوي على نسب عالية من متبقيات المبيدات وبقايا الأسمدة الكيماوية، إلى جانب احتواء بعضها على ملوثات كيماوية وسموم فطرية وخلافه .. فضلا عما نسمعه من مشاكل في تلوث الغذاء على مستوى العالم،كما حدث في تسمم الميلامين والديوكسين والبضائع الملوثة إشعاعيا .. فهل هنالك جهات تقوم بفحص هذه الأغذية والتأكيد على أنها سليمة وصحية وصالحة للاستهلاك الآدمي ؟!
ونرى بأعيننا أن كثير من أطعمة الشوارع والأغذية تُعرض على أرصفة الطرقات .. أمام الغبار وعوادم السيارات وأشعة الشمس ضمن ظروف غير صحية . فأين دور وزارة الصحة والبلديات ؟
هذه مجرد نماذج لحالات قد يتعرض لها المستهلك، وهي قد تحدث في أي مكان من دول العالم، والسؤال هل المستهلك الفلسطيني يتمتع بحماية حقيقية ؟! ومن يحمي المواطن من هذه المخاطر !؟
وهل دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، وكذلك الجهات الرقابية في وزارة الصحة بذلت وتبذل قصارى جهدها ؟!
هل صحيح أن حجم المشكلة أكبر من إمكانيات السلطة المحدودة ؟ وبالتالي فهي لن نستطيع مواجهتها والتصدي لها دون تضافر الجهود من قبل المنظمات الأهلية والجمعيات والفعاليات الشعبية المختلفة، وقبل ذلك كله تعاون المواطن وحرصه.
هل المستهلك الفلسطيني يمتلك الوعي الصحي الكافي والثقافة الاستهلاكية الصحيحة ؟!
هذه الأسئلة وغيرها.. سنلقيها على المسؤولين والمختصين وصناّع القرار دفعة واحدة .. وسنضع الإجابات أمام المواطن .. وما يهمنا فقط هو توعية المواطن لما يحيط به من أخطار .. ووضع الجهات الرسمية أمام مسؤولياتها الوطنية .. والوصول إلى الحقيقة .. مجردة .. وكما هي .. لنتابع الجزء الأول :
مشاهدات وشهادات
استخدام الزيت للقلي لأيام عديدة
عدد من أصحاب المحلات أكدوا أن زيارات حماية المستهلك لمحلاتهم صارت متقطعة ومتباعدة جدا، السيد "حمزة صافي" صاحب سوبرماركت في بيتونيا ذكَر أن مفتشي حماية المستهلك لم يزوروه منذ فترة طويلة. محلات كبيرة في مراكز المدن تبيع شتى الأصناف من السلع الأجنبية والإسرائيلية التي لا تحمل بطاقة بيان عربية.
بعض المواطنين ذكروا في شهاداتهم أن بعض المطاعم تستخدم نفس الزيت في قلي الفلافل لأيام متتالية حتى يسودَّ لونه ويتعكر، ويتساءلون عن دور الجهات الرقابية، السيد "عمر جرار" صاحب مطعم شعبي في جنين يقول: "تقوم وزارة الصحة بتفتيش المطعم بصورة متكررة، وتسحب عينات من الحمص والسلطات، ولكنها لم تقم أبداً بأخذ عينات من زيت القلي". السيد "عبد المهيمن" صاحب ملحمة في قرية بورين والذي كان يعرض الذبائح دون أن يكون عليها ختم المسلخ، وبدون ثلاجة، يقول: "جميع محلات اللحوم في كافة القرى تتبع نفس الطريقة، حيث لا يوجد مسلخ، ومن النادر جدا أن يصل المفتشون إلى تلك المحلات". السيد "سلام" صاحب ملحمة في منطقة رام لحوم معروضة خارج الثلاجة
وفي شارع المستشفى شاهدنا عدد من الباعة المتجولين يبيعون ساندويتشات من الكباب، وآخرون يبيعون حلويات، وفي شارع فرعي آخر بعضهم كان يبيع سكاكر وأغذية أطفال، وجميعهم يعرضون بضائعهم وهي مكشوفة للشمس والغبار والحشرات، مع أنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم، إلا أنهم أجمعوا في إجاباتهم على أن من يفتش عليهم هم فقط شرطة المحافظة والبلدية، ويطاردونهم لأنهم غير حاصلين على رخصة، وليس لأنهم يعرضون بضائعهم في هذه الظروف (غير الصحية).
وفي المقابل أشاد الكثير من المواطنين بالجهود التي تبذلها السلطة في مجال حماية المستهلك، واعتبر آخرون أن وضع السوق الفلسطيني جيد، وأن بعض المظاهر السلبية الموجودة فيه هي أيضا موجودة في معظم دول العالم، السيد "بهاء الدسوقي" من مخيم الجلزون اعتبر السوق الفلسطيني أفضل من دول كثيرة، بالرغم من إجراءات الاحتلال التعسفية، وقلة الإمكانات، وصعوبة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني بشكل عام.
حماية المستهلك في سلم أولويات وزارة الاقتصاد الوطني
بالرغم من مشاغله الكثيرة والمتشعبة، لم نجد صعوبة كبيرة في لقاءه، وفي مكتبه طرحنا عليه ما في جعبتنا من أسئلة، وما يثير قلق الناس، ولكنه وبسهولة أزال الحواجز، فبدأت الإجابات تتدفق منه بتلقائية ووضوح وصراحة، تدل على مدى تعمقه بموضوع حماية المستهلك واهتمامه الكبير به. إنه وكيل وزارة الاقتصاد الوطني "عبد الحفيظ نوفل"، الذي بادر بالإجابة على سؤال ارتفاع الأسعار، حيث قال: "تتبع السلطة الفلسطينية نظام اقتصاد السوق، وهو نظام اقتصادي مفتوح يخضع لقوانين العرض والطلب، وبالتالي لا تستطيع الوزارة فرض أسعار محددة، لأن الأسعار تتحدد في الأسواق العالمية، ونحن كغيرنا في المنطقة نتأثر بموجات الغلاء، ولكننا بالطبع نتابع بقلق ارتفاع الأسعار، وقد فرضت الوزارة إشهار التسعيرة على كل ما يُعرض من سلع وخدمات، وهذه خطوة مهمة في الحد من ارتفاع الأسعار، كما أعدت قائمة بأهم السلع الإستراتيجية التي تفكر بتحديد هامش معقول للربح فيها".
وفي نفس موضوع الأسعار، وفي اتصال هاتفي مع رئيس قسم التسعيرة الدوائية في وزارة الصحة، سألناه إذا كان يرى أن الأرباح التي تجنيها مصانع وشركات الأدوية مبالغ فيها، أجاب د."ليث أبو حجلة": "أجرت الوزارة تقييما لأسعار الأدوية الأجنبية، وفرضت أسعارا جديدة، بحيث تكون قريبة من سعر نفس الدواء في الدول المجاورة، أما الأدوية المصنعة محليا، فنحن الآن بصدد تقييم ودراسة هذه الأسعار، وأعتقد أن بعضها مرتفع جدا وغير مقبول، والبعض الآخر سعرها منطقي مقبول، وفي القريب سيتم تحديد أسعار جديدة".
وعن جهود وزارة الاقتصاد في حماية المستهلك ودورها في ضمان توفر السلع الأساسية وتحقيق الأمن الغذائي، قال السيد "نوفل": "تعمل دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بأقصى جهد وبكل جدية، ولكن ضمن ما هو متاح من إمكانات، وهي تواجه مشكلة كبيرة ومعقدة، وأمامها مهمات جسيمة ومتعددة، لذلك فقد حددنا لها أولويات، ورأينا أن يكون التركيز بداية على موضوع الأغذية والمشروبات، نظرا لأهميتها القصوى على صحة المستهلك، بحيث لا يقتصر التركيز على المواد منتهية الصلاحية التي كانت تملأ رفوف المحلات، بل ليشمل كل ما يتعلق بحماية المستهلك. ثم مواجهة قضايا التزوير والغش والتهريب، ثم قضايا بطاقة البيان وكل ما يتعلق بتنظيم السوق الداخلي بشكل عام، ثم قضايا إشهار التسعيرة وضبط الأسعار وضمان توفر المواد الأساسية، ومكافحة الاحتكار، والرقابة على الأسواق، وأخيرا موضوع مكافحة منتجات المستوطنات وغير ذلك، وهذه كلها من صلب اختصاص ومهام وزارة الاقتصاد الوطني، وهي مهمات صعبة بدون شك، وتتطلب جهودا غير عادية، وتأخير الأولويات لا يعني التقليل من أهميتها. ومع ذلك يحق لنا أن نفخر بأننا بذلنا جهودا كبيرة وحققنا إنجازات هامة وواضحة للعيان".
وأوضح "نوفل" بأن دائرة حماية المستهلك تقوم بصورة دائمة بالرصد والتحري عن كل ما يستجد في عالم الغذاء من مخاطر ومحاذير، وهنالك متابعة دورية لما يحدث في العالم، وتواصُل مع الدول المجاورة. وطبعا مع درجة عالية من التنسيق والتعاون الكامل مع وزارة الصحة وبقية الشركاء، ومع ذلك علينا أن نعترف بأن الجهود التي تبذلها الوزارة ليست كافية للنهوض بكافة أعباء حماية المستهلك بكل متطلباتها. وربما أن هيكلية الوزارة لا تستطيع استيعاب هذه الأعباء، والموازنة المخصصة لها لا تسمح باستحداث دوائر جديدة متخصصة - على الأقل في الفترة الحالية - ولا تسمح بتغطية كافة النفقات والاحتياجات، علما بأن عدد الطواقم الميدانية ومستوى تدريبها جيد مقارنة بإمكانيات السلطة، وحتى مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.
وأضاف "نوفل" بأن الخبراء يقدرون أن 60 % من حالات تلف الغذاء والمسؤولة عن حالات التسمم الغذائي هي بسبب الملوثات الميكروبية؛ ولذلك نقوم بالتحقق من سلامة المنتجات الغذائية في هذا البند تحديدا. كما تقوم الوزارة بجهود كبيرة في سبيل الارتقاء بوعي المستهلك، ولدينا العديد من البرامج الإرشادية والنشرات التثقيفية.
من يراقب على ألعاب الأطفال ؟
وحول موضوع الشيفارو المضاف للخبز، والذي أثارته وسائل الإعلام مؤخرا، صرح "كبها" بأن الشيفارو ليس هو الخطر الوحيد الذي يهدد صحة وسلامة المواطن، وأضاف: "نحن كنا نتابع هذا الموضوع منذ زمن، ولكن دون أن نثير ذلك إعلاميا، وقد أغلقنا العديد من المخابز التي لا تلتزم بالمواصفات والاشتراطات المطلوبة. وفي كل جولة تفتيش إذا شكَّ المراقب بأي سلعة فإنه يسحب منها عينة للفحص؛ صحيح أن عدد العينات غير كافي، وكذلك نوعية الفحوصات المطلوبة، والسبب في ذلك أن مختبراتنا لا تستطيع القيام بكل الفحوصات المطلوبة، ونحن نضع في المقام الأول سلامة وصحة المستهلك، خاصة فيما يتعلق بالتلوث الميكروبي ومخاطر التسمم الغذائي، ومن ناحية ثانية نلحظ أن عدد العينات المسحوبة قد انخفض قليلا عما كان عليه الوضع قبل سنوات، والسبب هو إغلاق المختبر الخاص بوزارة الاقتصاد وتحويله إلى وزارة الصحة، حيث صار سحب العينات وانتظار نتائج الفحص يستغرق زمنا أطول، وهذا يضر بمصالح التجار ويعيق عمل المفتشين، ومع ذلك لا نتردد بسحب أي عينة إذا رأى المفتش ضرورة لذلك".
من يضمن عدادات البنزين؟
هل هي تنزيلات حقيقية أم نوع من الخداع ؟
الفوضى في سوق الخضار
عدد كبير من موظفي دائرة حماية المستهلك أكدوا أنهم لا يتلقون الدعم الكافي من قبل الوزارة، وأحيانا يقوم المسؤولون في الوزارة بمخالفة توصياتهم بشأن المواد المضبوطة، وأيضا أشاروا إلى نقص واضح في وسائل الاتصال والسيارات، وأنهم لا يتقاضون بدلا مخاطرة، ولا أجر عن الساعات الإضافية، علما أنهم يخرجون في جولات مسائية ويتعرضون للعديد من المخاطر. وفي المقابل أشاد المفتشون بتعاون التجار معهم، وبتعاون الشرطة الفلسطينية وتأمينهم الحماية لهم في جولاتهم، موضحين أن منطقة الحسبة (سوق الخضار) من المناطق الخطرة التي يحتاجون فيها إلى حماية أمنية. ولكنهم اشتكوا من بطء إجراءات القضاء، وأنهم كثيرا ما تفاجأوا بالإفراج عن تجار مزورين، أو متورطين بقضايا ترويج أغذية فاسدة.
الطبيب البيطري من مكتب رام الله د."نظمي حسن" أشار إلى أن عدد البيطريين في الوزارة خمسة فقط، وهو عدد غير كافي بالنظر لحجم العمل المطلوب منهم، وهناك محافظة نابلس مثلا لا يوجد فيها طبيب بيطري. وأن عدد الجولات التفتيشية أيضا غير كافي، مؤكدا أنه غير راض عن مستوى النظافة والشروط الصحية في معظم محلات بيع اللحوم. وعند سؤاله هل تقومون بالتفتيش بشكل دائم على محلات بيع الدواجن واللحوم والأسماك، أجاب بأن الجولات التفتيشية على هذه المحلات تتم إما من خلال دائرة حماية المستهلك بالوزارة، أو من خلال لجنة السلامة العامة التي تضم مفتشين من وزارة الصحة والبلديات، وأن التفتيش يكون على ختم المسلخ، والتأكد من صلاحية المنتجات بالفحص الظاهري، ولا يتم سحب عينات من اللحوم الطازجة لأن فترة صلاحيتها قصيرة جدا مقارنة بالمدة التي يحتاجها الفحص المخبري، ولكن يتم سحب عينات من اللحوم المجمدة. ومن ناحيته أكد الطبيب البيطري "خليل عارضة" من مكتب "طولكرم" على وجود العديد من المخاطر الصحية التي قد تصيب المستهلك من جراء استهلاكه لمنتجات اللحوم، مثل مخاطر متبقيات الأدوية والمضادات الحيوية وهرمونات النمو ومضادات البكتيريا، ومتبقيات العناصر الثقيلة كالزئبق، موضحا أن هذه العناصر لا يتم فحصها، وبالتالي نحن لسنا على ثقة بأنها مطابقة تماما للمواصفات. أما د."نظمي" فقد أشار إلى أن الفحص على الدواجن والذبائح يتم فقط داخل المسلخ من قبل الطبيب البيطري المسؤول، وأن فحوصاته تتركز فقط على النواحي الميكروبية كالسالمونيلا خاصة في حالة الشك، أما ما يُعرض في الأسواق من منتجات لحوم فلا يتم سحب عينات منها، عرض الأغذية في الهواء الطلق
ولمعرفة حجم العمل والإنجاز المتحقق التقينا برئيس قسم المتابعة في دائرة حماية المستهلك "يحيى نشأت" الذي أوضح لنا بأن متوسط عدد الجولات في الشهر بحدود ال 750 جولة، وهي تشمل كافة المحافظات وتصل إلى معظم القرى والمخيمات والمدن. وأفاد "نشأت" أنه حسب التقرير السنوي عن العام الماضي 2011، تم سحب 741 عينة للفحص المخبري، وتم مصادرة 843 طن من مختلف السلع، في حين بلغت كمية المواد المتلفة بسبب عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي 1647 طن من مختلف السلع.
أما مدير مكتب الوزارة في محافظة رام الله والبيرة المهندس "نضال صدقة" فقد أجاب على سؤالنا حول كفاية عدد المفتشين ومدى تأهيلهم: بأن هناك نموذجين من العمل الرقابي: الأول يعتمد على كفاءة تطبيق القانون من قبل كافة المواطنين (تجار ومستهلكين) وهو مطبق في أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية كالإمارات، النموذج الثاني يعتمد على ضَعف تطبيق القانون من قبل المواطنين، وهو ما ينسحب على معظم دول العالم الثالث؛ النموذج الأول لا يحتاج إلى عدد كبير من المفتشين، لأن تلك المجتمعات تسودها ثقافة احترام القانون، وتطبيق القانون فيها يكون حاسما وعادلا والعقوبات رادعة، بينما في النموذج الثاني نحتاج عدد أكبر من المفتشين، لأن معظم التجار يفكرون بأساليب متنوعة في الالتفاف على القانون، وتكون العقوبات غير رادعة وإجراءات القضاء بطيئة، والاستثناءات كثيرة، ما يعني في النهاية أن المشكلة تظل من يعاير موازين الذهب ؟
وبناء عليه، فإن عدد المفتشين – حسب صدقة – غير كافي، ومن ناحية ثانية فإنه بالرغم من كفاءتهم وخبرتهم الطويلة، وتلقيهم دورات تدريبية متعددة، إلا أنه ينقصهم التدريب على بعض التقنيات الخاصة مثل فن التعامل مع الجمهور، بحيث لا تطغى العلاقات الاجتماعية والشخصية على مجريات العمل. وأشار "صدقة" أن المفتش يشعر أحيانا بالضعف وقلة الحيلة، وأنه لا يثق كثيرا بدعم الوزارة له، أو حمايتها له في حال تعرضه للخطر. مضيفاً أن الوزارة لا تلبي جميع احتياجات المفتشين.
أغذية أطفال مليئة بالمواد الحافظة والألوان الصناعية
ومن جهته أكد "بشار الصيفي" مدير مكتب الوزارة في نابلس أن تركيز العمل بين المحافظات غير عادل وغير متوازن، بالرغم أن المفتشين يسعون للوصول إلى كافة المناطق بما فيها النائية، موضحا أن الخطة السنوية التي تعدها الوزارة لا يتم تطبيقها بشكل كامل، وهي غير متاحة لجميع المفتشين لأن بعض بنودها سرية وتعتمد عنصر المفاجأة. وبسبب طبيعة المشكلة في فلسطين فإن عمل المفتشين يعتمد أحيانا على المبادرات الفردية التي قد تبدو أحيانا ارتجالية وفوضوية، وخاصة في حال متابعة الشكاوى، أو متابعة القضايا التي يثيرها الإعلام. وعن طبيعة العلاقة بين الجهات الرقابية المتعددة في السلطة أجاب "الصيفي" أنها علاقة طيبة يسودها التعاون والتنسيق، ولكن يعكر صفوها في بعض الأحيان التنازع على الصلاحيات، والتداخل المربك في تحديد الأدوار والمسؤوليات.
منسق المجلس الفلسطيني لحماية المستهلك المهندس "تيسير نوفل" أوضح لنا أن المجلس هو الجهة العليا المسؤولة عن حماية المستهلك، ويتكون أعضائه من ممثلين عن وزارات السلطة ذات العلاقة والمنظمات المدنية والأهلية مثل غرفة التجارة، الاتحادات الصناعية، وجمعيات حماية المستهلك. ويهدف المجلس إلى حماية حقوق المستهلك وضمان عدم تعرضه إلى أية مخاطر أو أضرار ناجمة عن انتفاعه بالسلع والخدمات المقدمة له، ويستند عمله على أساس قانون حماية المستهلك، وهو القانون الذي يؤكد على حقوق المستهلكين، إلى جانب حقوقهم الطبيعية كمواطنين، وأكد "نوفل" أن الأمر لا يتوقف على المواطنين، فحقوق المستهلك تنطبق على أي إنسان مواطنا كان أم مقيما أم وافدا. وقانون حماية المستهلك هو الذي ينظم العلاقات القانونية الخاصة بين الفرد المستهلك وبين قطاع الأعمال الذي يبيع البضائع ويقدم الخدمات. وعلى هذا الأساس فإن حماية المستهلك تشمل مجالات واسعة من المواضيع. وأوضح "نوفل" أن صفة المجلس استشارية، ومهمته الإشراف العام على الجهات الرقابية وجمعيات حماية المستهلك، ورسم السياسات دون تدخل مباشر في عمل الجهات التنفيذية.
ومع أهمية المجلس إلا أنه لم يجتمع سوى سبع مرات فقط منذ تأسيسه في بدايات العام 2010، وعن أسباب تعثر المجلس في أداء دور أكبر وأهم يرقى إلى المستوى المطلوب منه، ويتلاءم مع طبيعة دوره والصلاحيات الممنوحة له، أجاب "نوفل" أن "الظروف العامة التي تعيشها البلد والمنطقة بشكل عام، وكذلك الصعوبات الخاصة التي تواجهها السلطة الوطنية ووزارة الاقتصاد بشكل خاص، هي التي حالت دون أخذ المجلس الدور المتوقع منه، ومن ناحية ثانية فإن مشاغل رئيس المجلس (وزير الاقتصاد) في العديد من المسائل، وانهماكه في متابعة ملفات ساخنة وشائكة مثل مكافحة منتجات المستوطنات وغيرها أدى ذلك أيضا إلى تأخر المجلس وقلة عدد اجتماعاته، خاصة وأن المرحلة السابقة شهدت خلافات حادة بين بعض الجمعيات مع رئيس المجلس أثرت سلبا على عمله، كما أن غموض النظام الداخلي للمجلس في بعض النقاط وعدم وضوح حدود صلاحياته وكذلك انشغال أعضائه وعدم تفرغهم بالكامل للمجلس كل هذه القضايا أدت إلى تراجع دوره، ونأمل في العام الحالي أن يتم تجاوز هذه الإشكاليات والتغلب عليها".
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن المجلس حقق عدد من الانجازات الهامة، وأهمها – حسب نوفل - تأسيس 11 جمعية لحماية المستهلك في مختلف المحافظات، وضع خطط لمواجهة الغلاء، وفرض إشهار التسعيرة على كافة السلع والخدمات، مكافحة منتجات المستوطنات، فرض أسعار محددة ومعقولة لعدد من السلع وأهمها الخبز، أسطوانات الغاز، اللحوم.
ولكن أين دور وزارة الصحة، الضابطة الجمركية ؟ وماذا تقول المنظمات الأهلية وجمعيات حماية المستهلك ؟ وما هو رأي الخبراء والمختصين ؟ هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني ..
الجزء الثاني
صحة المستهلك في وزارة الصحة
الركن الثاني والمهم في حماية المستهلك تمثله وزارة الصحة، وفي لقائنا معه، أوضح لنا مدير عام الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة د. "أسعد رملاوي" حدود التشابك في الصلاحيات، وتبادل الأدوار بين وزارتي الصحة والاقتصاد. وتبرز أهمية هذا التوضيح في هذا الوقت بالذات، حيث تطالب وزارة الصحة أن يكون كل ما يتعلق بسلامة الغذاء من اختصاصها فقط، وقد وجهت مذكرة لرئاسة الوزراء بهذا الخصوص. وقد تصادف وجودي في مختبر الصحة المركزي أثناء لقائي مع مديره المهندس "إبراهيم سالم"، مع قدوم مندوب حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لتسليم عينات أسماك وأجبان لفحصها مخبريا، حيث رفض مختبر الصحة استلام العينات، مبررا ذلك بأنه لا يستلم عينات إلا من خلال مفتش صحة البيئة التابعة لوزارة عينات الشاورما المفحوصة أقل من اللازم
مدير حماية المستهلك م."عمر كبها" اعتبر هذا تقليصا لدور وزارة الاقتصاد، وتقليصا لحجم الحماية التي يحظى بها المستهلك، والتي هي في الأساس متقلصة وناقصة، مؤكدا على أن دور وزارته يشمل الرقابة على الأسواق، وفيما يخص الأغذية فإنهم يهتمون بالمنتج النهائي المعد للبيع، وما قبل ذلك هو من اختصاص الصحة.
من جهته اعتبر د. "رملاوي" أن سلامة الغذاء تعني خلوّه من أي مسببات لتلفه، أو من مسببات الأمراض التي قد يحملها، سواء كانت مسببات ميكروبية أم كيماوية أم غير ذلك، بغض النظر عن موقع السلعة، سواء في السوبرماركت أم في المصنع، أم على المعابر والحدود. وأضاف: "من الناحية النظرية هنالك تعاون وتنسيق بين كافة الجهات الرقابية في السلطة، وهذا ما يحصل عمليا في معظم الأحيان ومعظم المناطق، ولكن أحيانا يحصل تداخل وتشابك مربك بين هذه الجهات، وهذا يؤثر سلبا على أدائها، ويثقل على كاهل التاجر، وعمل هذه الجهات تنظمه لجنة السلامة العامة التي تشترك فيها كافة الجهات من اقتصاد وصحة وبلديات وضابطة جمركية .. ولكن التفتيش على الأغذية وسحب العينات يجب أن تختص به وزارة الصحة، وعلى أية جهة رقابية أخرى في حال اكتشافها لأي مخالفة أو شكّها بسلعة معينة أن تبلغ مفتش الصحة ليقوم هو بدوره". واعتبر د."رملاوي" أن "عمل حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد غير قانوني، لأنه غير مغطى بقانون"، واقترح أن يقتصر عملها على مراقبة بطاقة البيان والتسعيرة ومدة الصلاحية وغير ذلك من أمور تجارية.
حلويات مكشوفة بعد ساعات من العمل تبدأ المفرمة بتلويث اللحمة
وعن الفحوصات التي تجريها وزارة الصحة، صرح د."رملاوي" بأن "لدى الوزارة مختبرا مركزيا مزود بأحدث الأجهزة، وبطاقم فني مدرب ومؤهل، ولكنه رغم ذلك لا يقوم بجميع أنواع الفحوصات"، مضيفا: "حصل مختبرنا مؤخرا على الجهاز الأحدث من نوعه، وحاليا هو الوحيد على مستوى الشرق الأوسط، الذي يمكنه فحص متبقيات المبيدات الحشرية في الأغذية بدقة، وحاليا يقوم الفنيون بالتدرب عليه، وسيكون متاحا للعمل في المستقبل القريب". من جانبه ذكر المهندس "إبراهيم سالم" مدير المختبرات المركزية أن مختبره يقوم بفحص ما يقارب تسعة آلاف عينة غذائية سنويا، ونحو عشرة آلاف عينة مياه معدة للشرب، فضلا عن آلاف عينات الأدوية ومستحضرات التجميل، وأن هذا العدد الكبير من العينات يثقل على فنيي المختبر، ولكنه يفي بشكل نسبي بأغلب متطلبات السلامة الغذائية. وأضاف "سالم" هنالك العديد من الفحوصات المهمة لا يقوم بها مختبرنا في الوقت الحاضر، وكذلك لا يقوم بفحصها أي مختبر آخر، مثل فحص الهرمونات والمضادات الحيوية في اللحوم، متبقيات العناصر الثقيلة والمبيدات والأسمدة في الأغذية والمشروبات، بعض الألوان الصناعية، وبعض أنواع المواد الحافظة". ولكن "سالم" أكد أن مختبره بصدد التحضير للتدريب على هذه الفحوصات، وتجاوز المعيقات التي تمنع القيام بها حاليا، وأضاف: "صحيح أننا نقوم بفحص سموم الأفلاتوكسين وغيرها، إلا أن عدد العينات المسحوبة لهذا الغرض قليل جدا، وكذلك المواد الحافظة".
وفيما يخص الرقابة على المطاعم أكد د."رملاوي" أن مفتشي الصحة يقومون بهذا الدور، ويسحبون عينات من مختلف الأطعمة، ويتأكدون من مطابقة المطاعم للشروط الصحية، ومع ذلك ذكر "سالم" أن عدد عينات الشاورما مثلا قليل جدا. مع العلم أنها أصبحت من السلع الشعبية الأكثر تداولا، وكثيرا ما نجم عنها حالات تسمم. وبخصوص التسممات الغذائية ذكر د."رملاوي" أن وزارة الصحة تقوم بتوثيق جميع الحالات، وقد بلغت في السنة الماضية 288 حالة تسمم غذائي، و 290 حالة ناجمة من مواد كيماوية.
وبخصوص الرقابة على الدواء ومواد التجميل، ذكرت الدكتورة "رانيا شاهين" مدير عام الرقابة الصيدلية، أن الوزارة تفرض رقابة صارمة على مصانع الأدوية والصيدليات ومسوقي الأدوية، وتعمل كل جهدها على محاربة أشكال الغش والتهريب والتقليد.
المكسرات والحبوب قد تتعرض لتلوث الأفلاتوكسين
من جانبه أكد قائد الضابطة الجمركية المقدم "غالب ديوان" وخلال لقاء في مكتبه على أن جهاز الضابطة الجمركية يلعب دورا هاما ومركزيا في حماية الاقتصاد الوطني، من خلال مكافحة التهريب التجاري والتهرب الضريبي. موضحا أن دوريات الضابطة الجمركية قامت مؤخرا بضبط العديد من الشحنات التجارية الفاسدة والمهربة كاللحوم والأدوية والسلع التموينية التي انتهت مدة صلاحيتها، وأنتها تتلف سنويا بالتنسيق مع الجهات المختصة مئات الأطنان من المواد المضبوطة المخالفة للقوانين والاشتراطات الصحية.
ماذا يقول الخبراء والمختصون:
الدكتور "صبري صغيّر" عميد كلية الزراعة في جامعة الخليل، ورئيس الجمعية الفلسطينية للغذاء والتغذية أكد على "وجود الكثير من المخاطر التي تحتويها الأغذية الموجودة في الأسواق الفلسطينية، خاصة تلك التي تردنا من مصادر غير مراقبة عالميا، مثل حلويات الأطفال المحتوية على الألوان الصناعية والمواد المنكهة، وأيضا الأغذية المعلبة التي تحتوي على مضادات الأكسدة والمواد الحافظة. كذلك بعض اللحوم المستوردة التي لم يتم عمل فحوصات دقيقة لمحتواها من التلوث الكيميائي وخاصة السمك. بالإضافة لبعض الأغذية غير الصحية المحتوية على دهون مشبعة أو مؤكسدة، والتي قد تنطوي على مخاطر صحية وخاصة عند كبار السن. وكذلك الحبوب والمكسرات المخزنة في ظروف غير مناسبة والتي قد تحتوي على سموم الأفلاتوكسين، والزيوت والمشروبات التي تتعرض مباشرة للشمس، ومؤخرا سمعنا عن قضية إضافة الشيفارو للخبز، وهي قضية خطيرة، لأن الخبز هو القوت الأساسي للمواطنين، وهذه المادة محرمة دوليا".
وأضاف قائلا: "الأثر السمي لتلك المخاطر لا يظهر مباشرة، إنما يتراكم تأثيره السلبي على مدى سنوات؛ وبسبب انتشار الأغذية غير الصحية ازدادت أمراض القلب والرئة وأمراض الدم والسكري والضغط والسرطان". كما اعتبر د."صغير" أن العينات المسحوبة للفحص غير كافية، وأحيانا غير ممثلة لجميع المنتجات الغذائية المطروحة في الأسواق. ولا يتم إجراء كافة الفحوصات المطلوبة، ولا يوجد هناك دراسة تحليلية يتم من خلالها عمل مسح شامل لجميع الأصناف وخاصة تلك التي لها تأثير مباشر على الصحة. مضيفا: "للأسف لا يوجد أي إحصائيات حول التلوث الكيماوي للأغذية في فلسطين، ويجب البدء بمثل هذا العمل، وهذا يحتاج إلى تضافر جهود كبيرة لتنفيذه على رأسها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية المختصة".
أسماك معروضة على الرصيف
خبير المواد المضافة د."نضال زعتر" المتخصص بالكيمياء التحليلية والمدير السابق لمختبرات السموم والأغذية في جامعة النجاح يقول في هذا الشأن: "عندما تدخل السموم أو العناصر الثقيلة أو متبقيات المبيدات أو متبقيات الأسمدة الكيماوية أو أية مواد مضافة للأغذية إلى جسم الإنسان وتتراكم فيه على مدى سنوات فإن نتائجها الخطيرة ستظهر بعد مرور زمن، بحسب نوع وتركيز هذه المواد ومدة التعرض لها، وأحيانا تكون نتائجها خطيرة جدا، تظهر على شكل أمراض يصعب علاجها، لأن اكتشافها جاء بعد فوات الأوان".
وأضاف د."زعتر": "عندما يتناول الإنسان غذاءً ملوثا فإن الميكروبات الممرضة الموجود فيه ستصل إلى الأمعاء الدقيقة، حيث تتكاثر وتسبب الالتهابات وتنتج السموم، والتي ستظهر على شكل أعراض المرض المصاحب لهذه السموم بحسب نوعها. والتلوث الغذائي الجرثومي ينتج بفعل تحليلها للمواد الغذائية خاصة الأطعمة التي لا تُحفظ جيداً، وتحدث الإصابة إما بواسطة السموم (التوكسينات) التي تفرزها الميكروبات أثناء تكاثرها في الغذاء، أو بواسطة الميكروبات نفسها. أما التسمم الغذائي الكيماوي فيحدث عند وصول أي مادة كيميائية خطرة أو سامة إلى السلسلة الغذائية، مما يجعلها ضارة وغير صالحة للاستهلاك البشري؛ وينتج عنها الإصابة بالأنيميا وضعف العظام، وأنواع عديدة من السرطانات. وهناك مستويات متعددة لتأثيرها على مستوى الأعضاء والأنسجة، فمنها ما تؤدي إلى تلف الكريات الحمراء، خاصة الناجمة عند التسمم بالرصاص. وتؤدي بعض السموم (الزرنيخ) إلى انحلال لكريات الدم الحمراء، أي تمزق أغشية الكريات وخروج الهيموغلوبين إلى البلازما. وهناك تأثيرات على الجهاز الهضمي، فنلحظ ظاهرتي التقيؤ والإسهال، وهما عبارة عن ردود فعل دفاعية ضد التسمم, هذه الأعراض المختلفة غالباً تصاحب حالات التسمم بالرصاص والزئبق. أما الحوامض والقواعد فتسبب تقرحات في الجهاز الهضمي. وأيضا للسموم تأثير في الكبد، والذي يعتبر العضو الرئيسي المستهدف لمعظم الملوثات الكيماوية، لأن معظم المواد السامة التي تدخل عن طريق الجهاز الهضمي أو الدم مباشرة تمر بالكبد، وكذلك تبدو الكلى شديدة الحساسية للعديد من المواد الكيميائية السامة، حيث أن سريان الدم السريع والمتكرر بالكلى يعد من أهم الأسباب لحساسية الكلى، بسبب قدرتها على تركيز المواد، وبسبب امتصاص الرصاص عبر الأنابيب الكلوية قد يحدث ضرر للميتوكندريا مما يؤدي إلى تثبيط وظائفها".
بقايا المبيدات تترك آثار سمية خطيرة
من جهته أوضح "صلاح هنية" رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني أن جمعيات حماية المستهلك في الدول المتقدمة تلعب دورا بالغ الأهمية، أحيانا يكون موازي أو متفوق على الدور الحكومي، مؤكدا أن: "طموحنا يقودنا أن نكون بموازاة عمل الجمعيات في بقية العالم، ولكننا نعيش في ظل ظرف فريد من نوعه، حيث الجمعيات تعمل دون أي تمويل أو دعم من قبل الحكومة، وكأن البعض يريد أن تظل هذه الجمعيات بلا أظافر. ولكننا بقدرات متواضعة وبهمة عالية استطعنا أن نضع أنفسنا على الخارطة".
وعن المصاعب التي تعترض عمل الجمعيات قال "هنية": "الرغبة بالعمل موجودة، ولكن الأدوات ضعيفة، فكيف نراقب على أسواق محافظة تعداد سكانها 300 ألف نسمة بطاقم لا يتجاوز الثلاثة موظفين وبسيارة واحدة، وكيف نتعامل مع الأعداد الكبيرة للمخابز والمتاجر والموردين، والمناطق المصنفة ج وغيرها ؟ ومن ناحية ثانية عندما نطرح قضية معينة، تطالنا السهام، تارة بفتح ملف الترخيص، والتهديد بإلغائه، وتارة تتحول القضايا العامة التي نطرحها إلى مشاكل شخصية لدى بعض المسؤولين، وعندما نتساءل عن دور السلطة في حماية حقوق المستهلك، أو عندما نطرح قضية بعينها ونحولها إلى قضية رأي عام، نُتهم بأنا لسنا خبراء ونتطفل على القضايا التي تحتاج مختصين!".
هل انتهت قضية الشيفارو في منتجات الخبز؟
من جهته اعتبر المهندس "فؤاد الأقرع" رئيس الاتحاد العام للصناعات الغذائية أن الدور الذي تقوم به أجهزة السلطة الرقابية كافيا في مجال الرقابة على المنتجات الوطنية، معتبرا أن وزارة الصحة والاقتصاد تقومان بدورهما كما يجب في الرقابة على خطوط الإنتاج والمواد الخام والمخازن، بل أحيانا تكون جهودها مكثفة أكثر من اللازم، وتقوم بسحب عينات عديدة وتثقل كاهل المصانع ماديا. إلا أنه - ومن وجهة نظره - لا يزال هناك قصور كبير في مجال الرقابة على المنتجات الإسرائيلية والمستوردة؛ حيث يوجد كثير من المنتجات الإسرائيلية المخالفة للمواصفات الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بمدة الصلاحية ونسبة المواد الحافظة، أما في مجال المنتجات المستوردة فهناك مخالفات كبيرة في مجال بطاقة البيان وعدم مطابقة التعليمات الفنية الإلزامية خاصة في المواد الحافظة والملونة. وطالب "الأقرع" بتفعيل أكبر لحماية المستهلك وتحديد أدق للصلاحيات، لمنع التداخل وتعدد الجهات التي تراقب على المصانع الوطنية.
واعتبر "الأقرع" أن معظم المصانع الوطنية تلتزم بالمواصفات الفلسطينية، بل أن عدد منها تطبق إجراءات أشد من المواصفة الفلسطينية، وخاصة تلك التي حصلت على شهادات جودة عالمية وتصدر منتجاتها للخارج. وأضاف: "إنه وتبيانا للحقيقة قد يوجد أحيانا تجاوز بسيط في نسبة المواد المضافة في المنتجات صعبة الخلط، إلا أن هذه التجاوزات بسيطة جدا، في حين أنها أكبر في المنتجات الإسرائيلية المشابهة".
الخلاصة
هنالك مشكلة خطيرة وجدية تحيط بالمستهلك في فلسطين، وخاصة في مجال الأغذية، وبالتالي هناك حاجة ماسة لتقديم حماية حقيقية للمستهلك. وعنوان المشكلة أن كثير من مكامن الخطر في السلع التموينية لا يتم الرقابة عليها، ولا يتم فحصها كما ينبغي، وهنالك مجالات كثيرة في حقوق المستهلك غائبة، لا يتم تغطيتها ولا يتمتع المستهلك فيها بأي نوع من الحماية. صحيح أن هذه المشكلة عالمية، وأنها لا تخص فلسطين وحدها، ولكنها قد تكون أشد وأخطر في فلسطين.
وفي المقابل لا بد من الاعتراف بأن الجهات الرقابية الحكومية والشعبية (وزارة الاقتصاد الوطني، الصحة، الضابطة الجمركية، المحافظات، جمعيات حماية المستهلك) قدّمت وأعطت وبذلت جهودا كبيرة، وحققت انجازات هامة في مجال حماية المستهلك. ولولا يقظتها لكانت مئات الأطنان من البضائع الفاسدة التي تتلفها سنويا قد وصلت إلى المستهلك، ومع كل هذا، ما زال أمامها الكثير لتفعله. وهذه الجهات بحاجة ماسة لخطة عمل جديدة وشاملة، تتسم بوضوح الرؤية والإحساس بالمسؤولية الوطنية، وقابليتها للتطبيق. وهذه الجهات بحاجة للدعم الشعبي والأهلي، لأن المشكلة تكون أحيانا أكبر من قدراتها، هذا الدعم ضروري حتى تتمكن من النهوض من جديد، لتقوم بدورها على أفضل وجه ممكن، وخلاف ذلك يعني أن المجتمع الفلسطيني والأجيال القادمة معرضة لمخاطر صحية جسيمة وخسائر اقتصادية فادحة، سيكون من الصعب حلها في المستقبل.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |